عصر النهضة وصور القديسين

ومقارنتها بصور الأيقونات فى الفن القبطى 
يعتبر عصر النهضة الأوروبى قفزة إنسانية متحركة جاءت نتيجة للجمود الذى صادف الفنون والعلوم والآداب فى العصور السابقة وكان هذا الجمود مبعثه السلطة المطلقة المركزة فى أيدى رؤساء الكنيسة ...
فكان كل فكر متجدد فى مجال السلم أو الفن أو المجتمع ضلالة وإفتراء على قوانين وأوضاع الكنيسة ...
 إلى أن جاء وقت كان كل شئ فيه متجمداً لا يتحرك مما حدا بالمفكرين والأباء والفنانين وعلى رأسهم الرعاة Patkons أن يؤمنوا بالميول الإنسانية ورغبة الإنسان فى التقدم فتزعم بعض غلاة حركة رعاية العلماء والفنانين وكان هذا فى مستهل القرن 13 الميلادى حين رأينا جيوتر وهو راهب كاثوليكى من بلدة أسيس بأنطاكيه وكان مصوراً موهوباً يذهب باحثاً عن القيم التشكيلية ومنها المنظور والظل والنور وأفترض لرسومه نهايات على خط الأفق وأبعاد النظر مما يتبع ذلك من تغير الألوان والظلال على السطوح والأجسام كما رأينا فى صورة البشارة وهى من أهم اللوحات التى تعتبر بداية لعصرين ..عصر كنا نجرى فيه الرسوم بحركات تقليدية متوارثة لا يستطيع أى إنسان أن يغير من أوضاعها شيئاً
 وعصر آخر ترى فيه الأشكال والأبعاد تتغير تبعاً للفنان الذى يقوم بها . 
فظهر جيوتو وفراء نجليكو وبيرديلا فرنسيسكا وكانوا جميعاً من الرهبان الفرنسيسكان . 
ومن هذا بدأت الدراسات العلمية التحليلية للمنظور وألوان الطيف تدخل التصوير من أوسع أبوابه هو الرجوع إلى الفلسفة الكلاسيكية الإغريقية وهى الإيمان بالطبيعة وتمجيدها فأعطت للحياة صورة من الواقعية المتفائلة وأطبعت على الأشكال فى الحياة والحركة . 
فظهر بوتشيلى يصور لنا الأساطير الإغريقية بصورة إنسانية تعيشى جنباً إلى جنب مع الفكر والمنطق وكما نرى فى صورة مولد الجمال أى مولد فينوس كما ترى ماساتشيو ذلك الفنان العملاق وهو يصور لنا الأشخاص وكأنهم يتحركون على الأرض يكل عواطفهم وإنفعالاتهم وهم أكثر رسوخاً وإلتصاقاً بكيانهم الإنسانى . 
تولى بعد ذلك العمالقة جوسجيون ومايكل أنجيلو وروفائيل وقد إحتضنتهم الكنيسة .....
هذه لمحة بسيطة عن صور القديسين فى عصر النهضة أما صور القديسين أو الأيقونات فى العصر القبطى فهى :-
 أنه أرتبط فن التصوير بالعقيدة منذ أقدم العصور التى مرت على تاريخ مصر فنشأ الفن المصرى القديم ليخدم أهداف العقيدة المصرية القديمة التى تؤمن بالخلود ورجوع الروح إلى الأجساد مرة أخرى ولكى تعرف الأجساد مبادئ العقيدة صورها الفنان المصرى القديم على حوائط وجدران المعابد وحول الأعمدة كما نرى بوضوح فى معابد مصر العليا والنوبة وكذلك وادى الملوك بالبر الغربى من طيبة . 
وكان لهذا الإرتباط بين الفن والعقيدة الأثر الكبير المتوارث عند الشعب المصرى خلال العصور وخصوصاً فقد إستمرت هذه العقيدة متغلغلة فى نفوس الشعب حتى إنتشرت المسيحية على يد القديس مرقص الرسول الإنجيلى . 
وكان لظهور المسيحية فى مصر الأثر الكبير فى قيم العقائد السماوية بما فى ذلك النظرة إلى الخلود والحياة الأبدية وقد صححت المسيحية الكثير من تلك المعتقدات ودفعتها نحو الفهم الروحى الصحيح والبعد عن الأثر المادى خصوصاً فى تحنيط الموتى ووضع التماثيل التى تدل على صورة الميت وأكتفت تصوير القديسين والرسل وعلى رأس الموضوعات صورة السيد المسيح جالساً على العرش وحوله الرموز الأربعة كذلك صورة العذراء تحمل يسوع الطفل وحولها الأثنا عشر تلميذا ...
 كذلك صور الشهداء والقديسين الذين ضحوا بأرواحهم من أجل نشر رسالة الإنجيل . هذا كان من الجانب الموضوعى الذى لازمه الجانب التشكيلى فى التصوير ... 
فقد إتخذ الفنان القبطى نفس الأسلوب الذى مارسه من سبقوه على مختلف العصور ... فترى الأسلوب المصرى القديم وكيفية تحديد الأشكال على جدران المعابد وسرد الحياة بأسلوب كتابى يقرءه وفى تأنق فى التوزيع والأتزان كما نرى أيضاً كيف تأثر الفنان المصرى بالفنون الإغريقية الرومانية وأستطاع أن يظهر بأسلوب محلى واضح المعالم كأسلوب صور الفيوم Fayoum Portrait وهذا الأسلوب بالذات يدل على أن الفنان المصرى قد أستطاع أن يتحرر من الأسلوب المصرى الأكاديمى ويتجه إلى تصوير الأبعاد وتأثر الأشكال بالظلال واللون ... 
وقد أستمر هذا الأسلوب طويلاً وكان من أهم مميزات الأيقونات القبطية فيما بعد ... وقد أضاف الفنان القبطى عنصر الكتابة وأدخلها مع الصورة هادفاً من وراء ذلك إلى التعليم والتوقف للأشخاص ... 
فالفن القبطى فن من الفنون التى تمشت مع العقيدة والطقس ومكان الفنان دائماً متمشياً مع التصميم العام للعمارة القبطية . فالتصوير والعمارة واللحن وكل تصميم الكنيسة إنما كاد يكون وحدة متكاملة تهدف كلها لغرض واحد هو تأكيد ذاتية الكنيسة المحلية بطابعها المميز والذى أوجدته ظروف وأهداف العقيدة ... 
وأن تصوير القديسين تذكاراً لمعانى المحبه والتضحية يذكر دائماً الشعب القبطى بأن لا ينسى محبته إلى الآخرين وتضحيته من أجل بقاء الكنيسة ... أن المعانى التى وراء التصوير القبطى هى نفس المعانى وراء الألحان القبطية وإيقاعها ... 
ومما يدعو إلى الفخر أن فن تصوير الأيقونات القبطية فن محلى لم يتأثر بأى عامل من عوامل خارجية رغم التدخل السياسى فى كثير من الأحيان وتوفق أصل محلى ( شعبى ) ظهر مع ظهور الكنيسة وأستمر لخدمتها فلم يتأثر مطلقاً بالفن البيزنطى كما يدعى البعض كما لم يتأثر بالفنون الغربية رغم الإستعمار الغربى لمصر فترة طويلة من الزمان إنما كان دائماً محافظاً على أنماطه التقليدية وفى إصراره على هذه المحافظة كان فى الواقع دليلاً على قومية الشعب القبطى وأتحفاظه بتقاليده وملامحه ... وهذا مما حفظ للأقباط فنونهم للآن ... 
والفن القبطى ليس قاصراً على رسوم القديسين داخل جدران الكنائس فحسب بل إنما هو أيضاً فن الشعب المصرى حتى الآن فأسلوب الفن القبطى نفسه هو نفس الأسلوب الذى يمارسه الفنان الشعبى المصرى المعاصر ... 
وأن ما نراه من فنون شعبيه منتشره فى أنحاء الريف ليذكرنا وبهذا الأسلوب الشيق داخل جدران الكنائس . 


 بقلم الأستاذ / إيزاك فانوس يوسف +
 معهد الدراسات القبطية