أيقونات الميلاد كثيرة ومتعدّدة ، وهي في غالبيّتها روائيّة، أي تروي في لوحةٍ واحدة جميع أحداث الميلاد كما وردت في إنجيلَي متّى ولوقا .
فإن أردنا تصنيفها، يمكننا أن نصنّفها انطلاقًا من شخصيّة العذراء مريم. فهي جالسة أو جاثية في بعضها، ومستلقية في بعضها الآخر. والأيقونة التي اخترناها هي من أشهر الأنماط، وتُسمّى عادةً أيقونة الميلاد في نوفغورود.
البنية الهندسيّة للأيقونة هي شبكيّة: تسع مربّعاتٍ متساوية الحجم تشكّل مجمل الأيقونة.
المربّعات الثلاثة العليا تحوي بالترتيب من يسار المشاهد إلى يمينه: المجوس – النجم – ملائكة الرعاة، وتُسمّى هذه المجموعة القسم النبويّ، لأنّها تصوّر أحداثًا ترتبط بنبوءات أو إعلامٍ سماويّ.
مجموعة الوسط تحوي: ملائكة ساجدين، العذراء والطفل، الرعاة. وتُسمّى القسم العباديّ، ففيها يؤدّى السجود للطفل الإلهيّ.
والمجموعة الثالثة في الأسفل وتحوي يوسف – الطبيعة – القابلات، وتُسمّى القسم الدنيويّ أو التراثيّ، لأنّها تصوّر أحداثًا دنيويّة لم ترد في الإنجيل، لكنّ المنطق يستنتجها من الواقع المُعاش.
تبدو الأيقونة بوجهٍ عامٍّ وكأنّها صورة لصخرة ضخمة تشبه الجبل، مشدودة نحو السماء، وتكاد قمّتها تلامس الدائرة الإلهيّة، وتدور الأحداث على حوافها وسفوحها وفي داخلها.
القسم النبويّ
المجوس ونجدهم في المربّع العلوي على يسار المشاهد. وقد حفظ لنا التقليد أسماءهم: كسبار، وملكيور، وبلتازار. إنّهم يمثّلون العالم الوثنيّ كلّه كما كان معروفًا في القديم: أوروبا وآسيا وأفريقيا.
ويظهر هذا من لون أحصنتهم، كما يمثّلون جميع أجيال الجنس البشريّ: شابّ وبالغ وشيخ. فبشرى ولادة المسيح هي للعالم كلّه وليست لليهود وحدهم. إنّه حدث شامل وليس محصورًا بفئة معيّنة من الناس. المجوس يتقدّمون في مسيرتهم ويشيرون بأيديهم إلى النجم الذي يدلّهم إلى المغارة التي ولِدَ فيها الصبيّ.
النجم وهو في المربّع العلوي الأوسط. شعاع ينحدر من دائرة تدعى بالدائرة الإلهيّة ويظهر في الأيقونة جزء منها. وفي وسط هذا الشعاع دائرة تشبه النجم، وتحوي طائر حمامٍ أبيض يرمز إلى روح الله الذي حلّ على مريم فحبلت بابنٍ من دون زرع رجل. وشعاع النجم ينقسم إلى ثلاثة، الأوسط يمتدّ محوره حتّى رأس الطفل وأحشاء أمّه، ليربط بين الوليد ووالدته.
ملائكة التبشير، وهم في المربّع العلويّ الأيمن. ملاك يخاطب الرعاة واثنان يتأمّلان المجوس.
القسم العباديّ
ملائكة السجود. إنّهم في المربّع الأيسر، يغطّون أيديهم بأثوابهم علامة الاحترام، ويسجدون للطفل الإلهيّ.
المغارة ويسوع ومريم. يظهر في المغارة ثور وحمار، تذكيرًا بنبوءة أشعيا في الفصل الأوّل: «عرف الثور مالكه والحمار معلف صاحبه، أمّا شعبي فلم يعرفني» (أشعيا 1: 3). فالثور يرمز إلى قرابين وذبائح العهد القديم، والحمار يرمز لجحش النبي بلعام الوثنيّ الذي رأى الملاك فأخبر صاحبه به. ويربط القديس غريغوريوس النصيصي الثور باليهود المرتبطين بالناموس والحمار بالأمم الوثنيّة.
الطفل الإلهي يسوع المسيح. إنّه محور الأيقونة، مرسوم عند نقطة تقاطع الخطّين المنصّفَين الأفقي والعمودي. يبدو يسوع الطفل في وسط تجويف الصخرة، في المغارة المظلمة: النور يشرق في الظلمات. ملفوف بأقمطة تشبه الأكفان، وموضوع في مذودٍ يشبه القبر، إشارةً إلى موته الذي سيدحر ظلام الموت بقيامته كما دحر ظلام الجهل بميلاده.
العذراء مريم: تشغل العذراء جزءًا مهمًّا من الأيقونة للدلالة على أهمّيّة دورها في التدبير الخلاصي. تستلقي العذراء مستلقية على وسادة أرجوانيّة اللون تشبه بشكلها حبّة القمح، للدلالة على أنّه من أحشاءها انبثقت الحياة، إذ أعطت البشرية يسوع خبز الحياة وابن الله الحيّ. تضع يدها على خدّها بحركةٍ معروفة في الإيقونوغرافيا بأنّها حركة التأمّل. فلوقا الإنجيليّ يخبرنا بأنّها «كانت تتأمّل جميع هذه الأمور في قلبها».
الرعاة، ويظهر منهما اثنان. راعٍ ينظر إلى الملاك فوقه يسمع الخبر: «ولِدَ لكم اليوم مخلّص»، والآخر ينظر إلى المغارة ليعرف ما سرّ هذا الأمر العجيب.
القسم الدنيويّ أو التراثيّ
يوسف والحيرة: في المربّع السفلي على اليسار نجد القدّيس يوسف يجلس متأمّلاً محتارًا، وأمامه يقف رجل عجوز يرتدي ثيابًا من الفرو، يعتبره القليد الإيقونوغرافي إبليسًا جاء ليوسوس في ذهن يوسف ويبلبله في شأن هذه الولادة العجيبة. وكما يقول التقليد، يبدو القدّيس يوسف في الأيقونة القديس يوسف شيخًا متقدّمًا بالسنّ.
الطبيعة: في هذا المربّع السفليّ الأوسط، نجد قطيعًا يرعى في سلام. ولكنّ تقليدًا قديمًا درج على أن يرسم في هذا الموضع وحوشًا ترعى إلى جانب الحملان والماعز والبقر، إشارةً إلى أنّ عالم السلام الكونيّ قد بدأ بولادة المسيح، العالم الذي وصفه أشعيا في الفصل الحادي عشر:
فيَسكُنُ الذِّئبُ مع الحَمَل وَيربِضُ النَّمِرُ مع الجَدْيِ ويَعلِفُ العِجلُ والشِّبلُ معاً وصَبِيٌّ صَغيرٌ يَسوقُهما تَرْعى البَقرةُ والدُّبُّ مَعاً ويَربضُ أَولادُهما معاً والأَسَدُ يَأكُلُ التِّبنَ كالثَّور...
القابلتان: في المربّع السفليّ الأيسر نجد قابلتَين تغسلان الطفل الإلهيّ بعد الولادة. واحدة شابّة وأخرى بالغة، أو سيّدة وخادمتها. وقد حفظ التقليد لنا اسم السيّدة البالغة وهو سالومي. يشير هذا المشهد إلى أنّ المسيح تجسّد وولد كسائر الأطفال، وهو ليس خيالاً اتّخذ شكلاً بشريًّا كما يقول الغنوصيّون.
الاب / سامى حلاق اليسوعى
jespro.org