أيقونة مَثَل الدينونة

الدينونة الأخيرة موضوع شائع في الإيقونوغرافيا بجميع الكنائس. تصوّر بعض الأيقونات الدينونة من المخيّلة، وبعضها الآخر يعتمد على ما ورد في الكتاب المقدّس، وبعضها الثالث يجمع بين الإثنين.
وقد اعتمد رسّام أيقونتنا هذه على مَثَل الدينونة كما ورد في إنجيل متى 25: 31- 46.
الأيقونة تنتمي إلى فنّ تقول بعض المراجع إنّه روسيّ في حين أنّنا نعتقد بأنّه سريانيّ. فإلى جانب نمط الرسم الذي هو أقرب إلى الفنّ السريانيّ، فإنّ طرح الموضوع بهذا الشكل نجده في لوحاتٍ جداريّة سريانيّة كلوحة الدينونة في دير مار موسى الحبشيّ بصحراء النبك بسوريا، في حين أنّنا لا نجد طرحًا كهذا في مدارس الفنّ البيزنطيّة.

بنية الأيقونة الهندسيّة
تُقسم هذه الأيقونة إلى ثلاثة مستطيلات عموديّة. المستطيل في الوسط يمثّل المشاهد أو الأحداث التي رواها ربنا يسوع المسيح في إنجيل متى (25: 31- 46)، "كُنتُ جائِعًا فَأطعَمْتُمُونِي، كُنْتُ عَطشانًا فَسَقَيتُمُونِي، كُنتُ غَرِيبًا فَآوَيتُمُونِي، كُنتُ عُريانًا فَألبَسْتُمُونِي، كُنْتُ مَرِيضًا فَاعتَنَيتُمْ بِي، كُنتُ مَسجُونًا فَزُرتُموني".
لذلك انطلاقًا من هذه الأحداث وعلى أساسها سيصدر الحكم الديّان العادل، فتُفصل النعاج (مستطيل اليمين بالنسبة إلى الشخصيّات المرسومة، وفيه أشخاص يرتدون أثوابًا بيض رمز الأبرار الصالحين الّذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها)، عن الجداء (مستطيل اليسار بالنسبة إلى الشخصيّات المرسومة، وفيه أشخاص يرتدون أثوابًا سود رمز الأشرار الّذين رفضوا أن يسلكوا بحسب تعليم الله ).
مستطيل الوسط
يحتلّ مشهد الشفاعة  القسم الأعلى من مستطيل الوسط ومن الأيقونة، وهو يضمّ المسيح الضابط الكل (في الوسط)، والعذراء مريم (عن اليمين) والقدّيس يوحنا المعمدان (عن اليسار).
المسيح الضابط الكل يجلس على عرشه، يبارك بيده اليمنى الأبرار الّذين سيقيمهم عن يمينه، ويحمل بيده اليسرى الكتاب المقدّس مفتوحًا وهو حاضر لساعة الحكم والدينونة. وإلى جانبَي العرش تقف العذراء مريم عن اليمين، والقديس يوحنّا المعمدان عن اليسار، يتشفعان لديه من أجل البيعة.
العذراء مريم تقف عن يمين عرش المسيح باحترامٍ وثقةٍ شديدَين بابنها من خلال انحنائها وابتهالها أمامه، فترفع يديها وترفع معها صلوات الكنيسة وطلباتها أمام عرش ابنها الجالس ليدين الأحياء والأموات.
وبحسب تقليدٍ متأخّر، ترتدي العذراء ثوبًا أحمر إشارة إلى طبيعتها البشريّة، وفوقه رداء أزرق يرمز إلى الطبيعة الإلهيّة التي اتّشحت بها حين قالت: "ها أنا أمة الربّ".
يوحنا المعمدان يبدو في وضعية توسلية تظهر من خلال حركتي الرأس واليدين المرتفعتين صوب المسيح الديان. يحمل بيده صحيفة كُتِبَ عليها: ها إنّ الفأس على أصول الشجر. كلّ شجرةٍ لا تثمر تُقطَعُ وتُلقى في النار.
الأفعال الإنجيليّة الستة وهي تلي مشهد الشفاعة، ونستطيع أن نميّز فيها المسيح بالهالة التي تحيط رأسه، وأمامه المؤمن الذي يقوم بفعلٍ من أفعال الرحمة كما وردت في إنجيل متى. وقد حرص الفنّان على أن يجعل هذا المؤمن امرأةً في مشهدٍ، وشابٍّا في المشهد التالي، وصبيّة في الثالث، ثمّ رجلٍ فامرأة فرجل، تعبيرًا عن أنّ فعل الرحمة يخصّ كلّ إنسانٍ مهما كان عمره أو جنسه.
ولأجل الناحية الفنّيّة، يتغيّر مكان المسيح من مشهدٍ إلى آخر، فهو على اليمين (بالنسبة إلى الشخصيّات) في المشهد الأوّل، وعلى اليسار في المشهد الثاني، ثمّ اليمين فاليسار وهكذا. وفي كلّ مشهد يظهر المسيح يحمل صحيفة كُتِبَ عليها فعل الرحمة بالتسلسل التالي للمشاهد:
كنتُ جائعًا فأطعمتموني - كنتُ عطشانًا فسقيتموني - كنتُ غريبًا فآويتموني
كنتُ عريانًا فألبستموني - كنتُ مريضًا فاعتنيتم بي - كنتُ محبوسًا فزرتموني
مستطيلا اليمين واليسار
يسير مستطيلا اليمين واليسار بالتناظر معًا. الفئة الاجتماعيّة نفسها موجودة على الطرفين، الأخيار عن يمين المسيح أعلى الأيقونة والأشرار عن يساره. 
عدد الفئات الاجتماعيّة سبع فئات: في المجموعة الأولى نجد النساء، في الثانية الرجال، في الثالثة الرهبان والراهبات، في الرابعة الملوك والأساقفة (أصحاب السلطة)، في الخامسة التجّار والحكّام، في السادسة الشبّان والفتيات، وفي السابعة الزهّاد والنسّاك، ونرى في هذه المجموعة الأخيرة أشخاص صدورهم عارية علامة على التنسّك، ولكن منهم مع جماعة اليمين ومنهم مع جماعة اليسار.
في أعلى كلّ مستطيل من المستطيلَين الجانبيَّين يافطة بشكل قوس (لا تظهر واضحة في الصورة) مكتوب عليها قول الديّان العادل لكلّ فئة: في أعلى مستطيل جماعة اليمين مكتوب: "تعالوا إليّ يا مباركي أبي، رثوا الملك المُعَدّ لكم منذ إنشاء العالم". وفي أعلى مستطيل جماعة اليسار مكتوب: "اذهبوا عنّي يا ملاعين إلى النار الأبديّة المُعدّة لإبليس وملائكته"
المشاهد المصوَّرة هادئة وبسيطة، خالية من الشياطين ونيران جهنّم والملائكة الديّانين، وخالية حتّى من ميزان العدل. إنّها تصوّر مشهدًا إنجيليًّا وتلتزم به، لذلك لا يمكن تسمية الأيقونة: الدينونة، بل تُسمّى : مَثَل الدينونة.


جومانا نون 
من الرهبنة المارونية 
المصدر