التأمّل في أيقونة التلميذ الحبيب

إنّ تصميم مشهد هذه الأيقونة قديم، وهو جزء مأخوذ من أيقونة العشاء الأخير، أو العشاء السرّيّ الذي تناوله يسوع مع تلاميذه. ولكن أن يُخصَّص لهذا الجزء أيقونة منفردة فهو عمل حديث. وقد نال هذا العمل اسم التلميذ الحبيب.
الرواية
يعتمد المشهد على رواية إنجيل يوحنّا. في العشاء الأخير الذي تناوله يسوع مع تلاميذه أخبرهم بأنّ واحدًا منهم سيخونه: «الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إِنَ واحِداً مِنكُم سَيُسلِمُني» (يو 13: 21). فاضطرب التلاميذ وتساءلوا مَن هذا الذي سيسلمه. «كانَ أحدُ تَلاميذِه، وهو الَّذي أَحبَّه يسوع، مُتَّكِئاً إِلى جانبِ يسوع، [...] فمالَ دونَ تَكَلُّفٍ على صَدرِ يسوعَ وقالَ له: يا ربّ، مَنْ هو؟. فأَجابَ يسوع: هو الَّذي أُناوِلُه اللُّقمَةَ الَّتي أَغمِسُها» (يو 13: 23-26). لفتت هذه الرواية انتباه المسيحيّين عبر الأجيال. فهي تعبّر عن حميميّة العلاقة بين يسوع والتلميذ الحبيب، الذي يؤكّد التقليد أنّه يوحنّا الإنجيليّ. ومن حميميّة هذه العلاقة ظهرت فكرة حميميّة علاقة كلّ مؤمنٍ مع الرب. حميميّة تتخطّى الرسميّات بين الخالق والمخلوق، بين السيّد والعبد، من دون أن تلغيها. حميميّة تعكس علاقة بين الأب والابن التي هي في الآن نفسه علاقة قربٍ ومسافة.
فمالَ بِدونَ تَكَلُّفٍ على صَدرِ يسوعَ
إنّ جوهر التعبير في أيقونة التلميذ الحبيب هو هذه العبارة الإنجيليّة. وأيقونتنا تصوّرها بطريقةٍ بسيطة، وسهلة، وواضحة، وتكاد تكون تعليميّة. بيد أنّ الناظر يشعر بوجود طبقةٍ أخرى من المعنى أعمق من مجرّد تصوير مشهدٍ. فلكي نكتشف فرادة الأيقونة التي نحن في صدد شرحها، من المناسب أن نقارنها بنماذج أخرى شبيهة. وقد اخترنا من هذه النماذج أربع. الترقيم يتبع قِدَم التصميم في التاريخ. فالأيقونة رقم 1 هي الأقدم، والأيقونة رقم 4 هي الأحدث. وأيقونتنا أحدث من الجميع، وهى خلاصة الجميع.
لا يظهر في الأيقونتَين 1 و 3 أيّ عنصرٍ من عناصر الإفخارستيّا. في حين يظهر الخبز في الأيقونتَين 2 و 4 سواء بشكله اللاتينيّ المستدير (الصورة الزجاجيّة) أو البيزنطيّ البيضويّ. العنصر المشترك بين الأيقونات الأربع هو المسيح الذي يعلن (حركة اليد في الأيقونة 1) أو يبارك (حركة اليد في الأيقونات الثلاث).
التلميذ الحبيب
إنّ أوّل ملاحظة يمكننا أن نلاحظها من تفحّص هذه الأيقونة هي الثياب. إنّها فضفاضة بشكلٍ لافتٍ للنظر. وفي هذه السعة يتمّ التعبير على المحبّة الوافرة خلافًا للمحبّة بحسب القياس. وحيث إنّ محبّة المسيح لنا تفوق محبّتنا له، تبدو ثياب المسيح أوسع من ثياب التلميذ الحبيب.
الملاحظة الثانية هي الشبه بين المسيح والتلميذ الحبيب. إنّه ليس تطابقًا بل تشابهًا. التلميذ يتماهى بمعلّمه كما أنّ المسيح تماهى بنا وأخذ طبيعتنا البشريّة.
المسيح يقدّم للتلميذ قربانًا. إنّه يقدّم له ذاته، جسده، تعبيرًا عن المحبّة. وبدل أن تختفي ذراعه الثانية أو تحمل شيئًا وحسب، فإنّ ذراع المسيح الثانية تحيط بالتلميذ المحبوب، وهي تمسك لفافة التعاليم. المعنى هنا لاهوتيّ عميق: «مَن أحبّني... مَن يدخل في شراكةٍ معي، يستطيع بسهولة أن يطبّق وصاياي، لأنّه يسعى من خلالها إلى إرضاء الحبيب. حركة الاحتضان، التي تفيض حنانًا، هي أساس العلاقة بالله. فسماعنا لكلمة الله يقوم على المحبّة لا على الوعيد أو التهديد بنار جهنّم.
من جهته، يميل التلميذ إلى صدر يسوع. نظره مركّز على القربان، ويده ممدودة إليه. إنّه يريد الشراكة معه. وبالحركة نفسها، يمدّ يده إلى الكأس، كأس الآلام والمرارة. بهذه الحركة تذكّرنا الأيقونة بحكاية يوحنّا نفسه، حين أتى وأخاه يطلبان أن يجلسا عن يمين المسيح ويساره حين يأتي في مجده. فسألهما يسوع: «أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سأشربها؟» بالحبّ يستطيع الحبيب أن يجرع كلّ مرارةٍ وألم في سبيل المحبوب.
وإلى جانب الكأس منديل غير مطويّ بعناية، وكأنّه غطاء مرفوع لتوّه. إنّه الحجاب الذي يُزاح عن سرّ الحبّ بين الله والإنسان. حبّ قوامه الشراكة، ومساره مرارة ألم الصليب. إنّهما الماء والهواء الضروريّان لنموّ هذا الحب.
 
الاب سامى حلاق اليسوعى  
عن موقع jespro.org