أمهات الفنون الأيقونيّة

مما لا ريب فيه أن الفن الأيقونوغرافي فن تشكيلي نشأ في الكنيسة متجردا من التأثر بالفن الوثني إلا ما عمده من الرموز كالسفينة التي أصبحت ترمز إلى الكنيسة والسمكة التي صارت ترمز إلى السيد المسيح .
 ولكن هذا الفن بالمقابل تأثر بالتيارات والمذاهب الفنية المختلفة التي مرت عبر العصور دون الإنسلاخ عن الهدف الأساسي للفن الأيقونوغرافي ألا وهو التعبير عن اللاهوت المسيحي وأن يكون أداة للصلاة .
ومن أبرز المدارس الأيقوناتية التي نشأت مع نشوء الحضارة المسيحية في شتى الأماكن نستطيع أن نوجز ولو قليلا بعضا من أهمها حيث أن هذه الفنون ظهرت مع ظهور المسيحية في كل منطقة تبنت هذا النوع من الفنون : 
الأيقونة البيزنطية  
قد يكون هذا الفن نشأ أول ما نشأ متأثرا بالفن التدمري بحسب رأي د.الياس الزيات وانتشر في شتى أنحاء الإمبراطورية الرومانية فيما بعد ويدلنا على هذا الأيقونات التي ماتزال من القرون المسيحية الأولى في دياميس روما ، وعموما تتحرر الأيقونة البيزنطية من تجربة الإنسان الأرضيّة (أي الطابع الشهواني) لتتسامى بحركة تصاعديّة نحو السماء.فيها فن بسيط وصارم يظهر الحقائق الخالدة غير الفانية بمواد فانية وذلك عن طريق الرمز.
 إن السر الذي يكتنف الأيقونة البيزنطية هو نورانيّتها وتحررها من الزمنيّة, ففي فضاء الأيقونة نور ٌمطلق بسبب الخلفيّة الذهبيّة وتلوّن مساحاتها بألوان داكنة ثم تشكّل الرسم رويداً رويداً بالألوان الأفتح إلى أن تنتهي ببؤرة الضوء, لذا يظهر أن الأشخاص لا يضاؤون بمنبع ضوئي إنما هم منبع الضوء( هنا رمز للإستنارة عند القديسين).
هندسيا تُرسَم الشخصيّات بأبعاد متطاولة قد تصل لنسبة 1 / 12 مبينة أن الشخصيّة إنسانيّة لكنها متسامية نحو السماء.ورغم بساطتها كفن إلا أنها تتحررمن فوضى عالمنا وتتوازن خطوطها وألوانها وأجزاء تأليفها وفق تركيبة هندسيّة متينة. 
تتحرر المباني والأشكال الهندسيّة من منطق المنظور فلا تجد عمقاً في اللوحة لأن البعد الثالث غير منظور إنما هو في قلب المصلي وليس في عينيه هو البعد الروحي.في الأيقونة البيزنطية تغيب المسافة التي تفصل مراحل الأحداث وتتجاوز الزمان نحو الأبديّة. حيث يمتلئ راسم الأيقونة البيزنطية بالروح المحيي فينخطف من المنطق والعواطف البشريّة إلى عالم أبدي كله نورانيّة، لذلك يجب أن يكون مصليا
 .أما الرمز فهو سر القداسة في الأيقونة البيزنطية فتغيب الجمالية التي يعبر عنها بالإمتلاء لدى الأشخاص ويحل عوضا عنها التقشف والصمت بالأفواه الصغيرة لدى القديسين والرؤية الإلهية والتأله والرموز كثيرة هنا . 
الأيقونة السورية 
بالرغم من أن الفن السوري قد يكون منطلق باقي الفنون الكنسية إلا أن الإحتلال الثقافي اليوناني جعل الأيقونة البيزنطة تطغى والفن السوري يخبو إلى أن أتت فترة الإضطهاد العثماني للشرق المسيحي بعد القرن الخامس عشر حيث بدأت تخبو قليلا المدرسة البيزنطية المسيطرة في بلادنا بسبب الإحتلال مما أدى إلى ازدهار الفن الأيقوناتي السوري . وبدأ راسمو الأيقونات السوريون يمارسون نشاطا لا يستهان بهً ولكن بأسس لا تختلف في الخط الواحد الرئيسي عن باقي الفنون الشرقية التي كلها بالأساس نشأت من هنا . و إنّ محترفاً حلبيّاً قد شكّل مركز هذا النتاج الرئيس ، هو يوسف المصوّر . حيث كان يوسف رسّاماً فذّاً ، وهو مؤسّس سلالة من راسمي الأيقونات امتدّت من الأبّ إلى ابن الحفيد : يوسف ، نعمة الله ، حنانيا وجرجس . 
إنّ تحوّلات هذا النتاج المتتابع من جيلٍ إلى آخر تعكس بوضوح التحوّلات التي عرفتها أيقونة العصور الحديثة . فتتجلّى في إبداع يوسف الأمانة للتقليد اليوناني ، أمّا عمل نعمة فيبدو أكثر فرادةً ، تطويعه لعناصر الصناعة في تجدّدٍ دائم وقد أغنى هذا الرسّام النماذج الأصلية باستحداثه عناصر جديدة . 
تحتلّ الأيقونة الحلبيّة ، وهي أروع أعمال الفنّ السوريّ المسيحيّ ، مكان الشرف في تاريخ الفنّ المابعد البيزنطي (إذا صح التعبير) .فهي تتعدّى كونها مجرّد إعادة لنتاج مستنفد ، لتنمّ عن ابتكار أمين ومجدّد يشعّب التقليد الموروث ويحييه .كما أنه برز رسامين سوريين آخرين مثل جرجي المصوّر ، وناصر الحمصي. 
والأيقونة السورية ظلت متمسكة بالصرامة أكثر من البيزنطية فلم تتأثر على الإطلاق بالفنون الحديثة فمشت قي سياق شبه موحد رمزي عميق . وقد يكون عدم اهتمام هذا الفن بالجمالية إلى حد بعيد سبب عدم انتشاره على نطاق واسع حتى اليوم وعودة السيطرة للفن البيزنطي . 
الأيقونة القبطية 
يعتبر فن رسم الأيقونة أحد فروع الفن القبطي الذي يعتبر في شتى مجالاته وريث لحضارة مصر الفرعونية وما تلاها من تداخل وتزاوج للحضارات التي تعايشت مع الحضارة المصرية ولقد لعب الفن القبطي دورا تعبيريا غاية في الأهمية مستغلا القيم الوراثية في الفن المصري من خلال : 
1- التعامل مع البعدين أي الطول والعرض وليس البعد الثالث وهو العمق أو المنظور. إذ أن البعد بين الطول والعرض بعدان ثابتان لا يتغيران أما البعد الثالث فهو البعد المتغير نحو نقط التلاشي في المنظور ولما كان المفهوم للعقيدة هو من الثوابت فقط احتفظ الفنان المصري حتى العصر القبطي بهذا المضمون .
2- - استغلال الكتلة مع الفراغ في حساب لهذه الكتلة وشغلها للفراغ بإحساس جمال يؤكد رسوخ النظام الكوني في مجال التشكيل.
3- - استغلال المجموعة اللونية وكلها من محاجر ومناجم مصر وهى عبارة عن أكاسيد طبيعية .
وقد ازدهر وانتشر فن تصوير الأيقونات في مصر في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وعكف على رسمها فنانون بعضهم من المصريين وبعضهم من اليونانيين أو الأرمن الذين كانوا يعيشون في مصر ونتذكر منهم الفنان يوحنا الناسخ الذي تنتسب إليه الكثير من الأيقونات القبطية بكنائس مصر القديمة والأديرة القبطية ونجد أن هذه اللوحات قد دون عليها اسم المصور والسنة التي رسمت فيها . 
الأيقونة الروسية 
استخدمت الأيقونات بعد التحول الى المسيحيه الارثوذكسيه في 988م في روسية واتبعت بدقة الرموز والنماذج والصيغ البيزنطيه المقدسة ، ومع مرور الزمن ، اتسعت المفردات الروسية من انواع وأساليب أبعد من أي أساليب أخرى في العالم الارثوذكسي. ولكن بعد عام1600 عندما أصبحت الايقونه الروسيه تتأثر بشدة باللوحات والمحفورات الدينية لدى كل من الكاثوليكيه والبروتستانتية في اوروبا رافقها تغيرات في القداس والممارسه من جانب البطريرك Nikon مما ادى الى انقسام في الكنيسة الارثوذكسيه الروسيه. التقليديون او "المؤمنين القدامى" ،حافظوا على استمرار اضفاء الاسلوب التقليدى للايقونات ، في حين ان الكنيسة الرسمية للدولة عدلت من الناحية العملية. ومنذ ذلك الوقت بدا ان الايقونات التي تم رسمها ليس فقط في الاسلوب التقليدي واسلوب nonrealistic ولكن ايضا في خليط من روسيا ودول اوروبا الغربية إدى إلى اضفاء اسلوب الواقعية على نحو يشبه كثيرا من الفن الكاثوليكي. 
الايقونات الروسيه عادة ما تكون على الخشب ، وغالبا ما تكون ضئيله ، على الرغم من ان بعض الكنائس والاديره لا تخلو من الأيقونات الكبيرة،وهذا شيء طبيعي . 
يعتبر الروس أن الأيقونات انجيل في الطلاء ، ولذا يولون اهتمام دقيق لضمان ان الانجيل ينقل بأمانة ودقة، فنجد الأحداث الإنجيلية تصور دون سهو مع إدخال الأسلوب الرمزي غالبا .
أبرز رسامي الروس القديس اندريه روبليف - اوائل القرن الخامس عشر) ، الذي رسم أيقونته الشهيرة الثالوث الاقدس في العهد القديم. (مضافة إبراهيم) . وهو التصوير الذي يتحفظ اتجاهه الفن البيزنطي أو السوري من حيث إمكانية تصوير أيقونة الآب . 
وفي الأيقونة الروسية ككل الفن الشرقي الرموز في العقيدة يجب ان تتبع المعايير التقليديه والتي هي في اساسها نسخ للعقيدة.إنما امتازت الأيقونة الروسية بتصوير القامات الطويلة التي إذا دلت على شيء فهي تدل على السمو الروحي ،ومن حيث اللون فقد غلبت الألوان الهادئة الخشوعية أيضا على النافرة الجمالية ،وبالرغم من ذلك وفقت الأيقونة الروسية بين الجانبين الجمالي والخشوعي .
وأخيرا تأثرت الأيقونة الروسية في عصر النهضة الأوربية بالفن الغربي فمالت إلى التصوير الواقعي للأجساد مما جعلها قريبة من الأيقونة اللاتينية .

الفنان إياد نادر 
serafemsarof.com